اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسيـة

                                                                  خواطر وكتابات عامة                                                  

 

فضّ الاعتصام: مـــن يحــــلّ اللـــغز؟

لويس اقليمس

 

   19 نيسان 2016

 

  علّق الشعبُ ومعه مختلف فعاليات الشارع العراقي آمالاً كبيرة على دعم زعيم التيار الصدري لانتفاضة التيار المدني الصامدة بالعراق. وقد واصل الحراكُ الأخير مجتمِعًا، تظاهراته "الجُمعية" (نسبة إلى يوم الجمعة) منذ أشهر، بهمّة ومثابرة وغيرة لا تنقصها الوطنية الشجاعة ولا الإرادة الصلبة للمناضل الذي لديه مشروع فيه هدف وفكر وعطاء وبناء، والأكثر أن يكون نابعًا من شعور وطنيّ متجذّر يخشى غرق المركب بمن فيه.

 وقد ثبت ذلك عبر ما رُفع من شعارات تدين بالولاء للوطن، وتحثّ على تماسك اللحمة الوطنية وعلى تعشيق النسيج المجتمعي بالعراق، والتوعية بأهداف الانتفاضة التي نأمل جميعًا تتويجها بما يشبه "ثورة" وطنية نظيفة ومنهجية من أجل إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس مدنية متحضّرة. أُريدت ثورة وطنية قادرة على وضع حدّ للفساد والفاسدين إن لم يكن القضاء عليها بعد استفحالها، ثورة عاقدة العزم على فضح الإدارات المتهرّئة السائدة والساطية على مختلف مؤسسات الدولة بسبب إغراقها برؤى ومفاهيم ضيقة، دينية وحزبية وكتلوية وطائفية وفئوية، تدمّر ولا تبني.

وإذا كان نفرٌ منتفع أو بعضٌ من الكتل والأحزاب المهيمنة التي سطت على السلطة بحجةِ مّما أتت به وحصدته عبر صناديق الاقتراع غير الأمينة، وبالطريقة التي يعرفها القاصي والداني، سواء بالتلاعب أو بالتهديد أو بشراء أصوات السذّج أو بالوعود العرقوبية المقطوعة سلفًا، أو نتيجة عدم خشية الجهات الرقابية واللوجستية غير النزيهة والمنظِمة للعملية الانتخابية ككلّ بسبب ولائها غير الوطني، إذا كان هؤلاء أو بعضُهم يرى في هذه الثورة الشعبية انقلابًا على استحقاقها، فليكن ذلك انقلابًا على سلطة أو حكومة قادت البلاد إلى شفا التفتّت والتآكل والتقسيم والإفلاس وسوء الإدارة وإفساد المجتمع ككلّ. فالشعب هو بالتالي مَن يُفترض به أن يقول الكلمة الفصل ب"سادته" و"قادته" و"حكّامه". فهو مصدر السلطة! إن شاءَ واحتكمَ: "حكمَ وأقامَ"، وإن أدركَ وقرّرَ: "قلعَ وشلعَ"، وإن هزلَ وتغافل وجبنَ: "خسرَ الصاية والصرماية".

وهذا ما نخشاه ممّا حصل، بعد خفض قائد الاعتصام رايتَه الثورية التي هزّت عروش مَن يقيمون في "المنطقة الغبراء"، وإنهاء اعتصامه بتلك الغفلة غير المتوقعة، وانصراف مَن اتبعوه وأيدوه وناصروه، مشدوهين مصدومين وغير مصدّقين؟ فهل كان في تلك الحركة السريعة لغزٌ أو سرٌّ أو غاية تم التكتّم عليها واتفاقٌ خفيّ بين أطراف اللعبة، كي لا تُكشف اسرارٌ مدفونة لا يعلمُها إلاّ المتورطون والمنتفعون والمتسترون؟ في بدء الحركة الاعتصامية الشجاعة، تفاعلَت طبقات الشعب من كل الأطراف والمكوّنات والطوائف من مشارب مختلفة بل متباينة في بعضٍ منها في تصوراتها "للحدث الساعة".

وزاد عشقُ "الثوار" ومقاومو الفساد والراغبون بعودة "عراقٍ نظيف اليد والأرض والفكر"، عندما شهدوا شجاعة "الهصور"، رافعًا عاليًا راية الوطن وليسَ سواه في ساحات الاعتصام، تمامًا كما كان فعلَها في تظاهرات الجمع المتتالية. فالرجل سليلُ المدافعين عن الحق والوطن والمظلوم، لا بدّ أن تسري في عروقه وطنيةُ الآباء والأسلاف، وأن يحمل جلبابُه الوقورُ المقصّ والمعولَ والرفشَ والمارَ لتشذيب عُذُوق الحديقة الوطنية التي تهصّرت وتدلّت أغصانُها المترهلة، والعمل على تغيير ترابها الذي عتق وانتفى وفسدَ، حينما حوّلها لصوص أغراب في غضون سنوات عجاف، إلى غابة اقتتال بين الأخوة، وساحة تبارٍ للفساد والنهب والسلب، وأرضًا مشاعًا لكلّ مَن هبَّ ودبَّ، بغاية اقتطاع أوصالها وتفتيت عضدها وتحجيم دورها الحضاري إقليميًا ودوليًا، حتى وإن لم يُستثنى من هذه الأفعال السلبية تيارُه المتهم هو الآخر بمثل هذه الأفعال التي تبرّأ شخصيًا من فاعليها بين فترة وأخرى، وحاسبَ مّن خرجوا عن طاعته وتوجيهاتِه. حديقة العراق الثرية الخصبة المتنوعة الورود والأزهار، لم تعد صالحة بفعل الأغراب عنها وفي غياب الفلاّح الحريص الأصيل المتعشّق بالمحراث والمذرى. فلابدّ من قدوم أكّار ماهرٍ يعرف التعامل مع مفسدي هذه الأرض الطيبة.

إلاّ أنَّ الأمل المعقود على "الهصور" القادمِ من قلب الحدث والناطقِ باسم الفقراء والمنادي بالإصلاح الجذريّ في جذوة اعتصامه، قد تطايرَ وطارت معه آمال الشعب، وفقد بريقَه سريعًا خفيفًا. فيما صفّق له في السرّ، مَن حاول الاعتكاف أو الانزواء أو حتى اللجوء إلى جحورٍ أكثر أمانًا، إن في الداخل أو في الخارج، ذلك لأنّ مشروع الإصلاح الذي نادى به ودعا فيه أمام الملأ إلى تغيير المشروع السياسيّ الجذري في العراق قد فشلَ بحسب نظرهم لمجرّد إنهاء الاعتصام من دون تحقيق النتائج المرجوّة. شهدنا جميعًا وما زلنا نشهد تباينًا حادًا وماكرًا في أحيان كثيرة، في مواقف الكتل البرلمانية والسياسية والرئاسات الثلاث ومَن في صفوفها.

أمّا ممثلو الشعب، فقد أبدى العديد منهم حين تلقّي رئاستهم للمغلّف الأبيض المغلق في الجلسة البرلمانية المخصصة بأسماء الكابينة الوزارية من لدن رئيس الوزراء، شيئًا من العنترية والعنجهية بل والفوضى غير الجديرة بهم. ففقدان المصداقية ونقص الثقة بين المؤسسة البرلمانية وسلطة الحكومة غير الموفقة لغاية الساعة، هي من ضمن الأسباب التي سارت عليها الجلسة الخاصة من حدث الساعة. فقد كشفت الطريقة التي أوصل بها رئيس الوزراء مبادرته الإصلاحية الأخيرة عن ضعف قدرته في مواجهة حيتان المحاصصة، وعن نقصٍ في الكاريزما القيادية المطلوبة من قائد قويّ قادر على إقناع المقابل مهما كانت سطوتُه وجبروتُه ومبرراتُه، وعن تردّد واضح وتخوّف مكنون في مقارعة مَن استشاط غيضًا واستنهض غضبًا خشيةً من فقدان امتيازاته التي تؤمّنها وتحفظها له شبكة التحالفات العنكبوتية المتصارعة والمتقاطعة في المثلث الحاكم.

 وقد رأينا، مدى الحرص في التوحّد والتكالب والاصطفاف المشبوه الذي أبدته مختلف الكتل في السلطة حين الشعور بفقدان رَسَن القيادة ومآثرها ومنافعها، من حيث الخفيّ القادم من وراء مثل هذه المغامرة، التي قد كانت ستقلب الصينية الوثيرة على الندباء الأضداد! وفي حين يترقب الشارع نتائج الفحص والتمحيص والتحليل والتشكيك والتسقيط لما تبقى من مرشحي الكابينة الإصلاحية الذين تساقطوا الواحد تلو الآخر قبل أن تُكشف النتائج الرسمية لما تمخضت عنه اللجنة أو الجهات المشكلة لإنهاء عملها، فإنّ الحدس بفشل المبادرة كبيرٌ، وسط أجواء مشحونة عزّزتها تصريحات زعامات الكتل والأحزاب بضرورة العودة إلى مبدأ المحاصصة الذي كفله الدستور. وفعلاً هذا ما يجري التفاوض بشأنه. أي أنّ "حليمة ترجع إلى عادتها القديمة"، و"كأنّك يا أبو زيد ما غزيت"! فالكتل الحاكمة تسعى لإبقاء الشراكة التحاصصية التي تكفل لها بقاء الامتيازات ودرّ المنافع عبر البيع والشراء في المناصب والوزارات، بحسب ما تعوّد الشركاء الفرقاء الأضداد. وهذا يعيد البلد إلى المربع الأول الذي كان رسمه المحتل وعزّزه الحاكم المدني سيّء الصيت بول بريمر، حين منح الكتل والأحزاب حق الاستنفاع بثروات البلد وتقرير مصيره بحسب مصالحها الفئوية والطائفية والشخصية.

 وما زيارة وزير الخارجية الأمريكي كيري، الأخيرة للعراق، سوى للتذكير بوجوب الالتزام بالاتفاق المذكور والحرص المتزايد للإبقاء على ذات النهج الفاسد وغير الوطنيّ في إدارة البلاد والعباد، ما يقطع أيّة محاولة للخروج عن طاعة الأسياد وإلى أمد غير محدّد. إزاء هذا الموقف المتشظّي للكتل البرلمانية حيال المبادرة الإصلاحية، وتعنّت بعضها برفضها جملة وتفصيلاً، وقبول غيرها لها أو جزءًا منها، شريطة أن تتمّ بالتشاور والاتفاق والتوافق مع الكتل القائمة بموجب الاستحقاق الانتخابي الذي رسمه الدستور، يقف الشعب ومثقفوه حيارى بين الصمت عن

 

 

-------------------------------------

---------------------------

 

أعلى الصفحة

العودة للصفحة السابقة