اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسيـة

                                                                  خواطر وكتابات عامة                                                  

 

 "سلام الرب عليك"! وعليك السلام والرحمة

لويس اقليمس

 

   4 حزيران 2018

 

    ثلاث كلمات كبيرة في معانيها ومعبّرة في دلالاتها، أطلقها رجل الدين الشيعي سماحة السيد مقتدى الصدر لتهنئة غبطة البطريرك لويس ساكو رئيس الكنيسة الكلدانية و"العراقية"، بالإنعام المتميّز الذي حظي به من لدن بابا الفاتيكان بإسباغ القبعة الكاردينالية الحمراء عليه مع أربعة عشر كردينالاً من شتى القارات والذي ستجري المراسيم الاحتفالية بهم في 28 حزيران 2018. ثلاث كلمات تبدأ بالسلام المنسوب للرب "الله الواحد الأحد" إلى عباده، هزّت مشاعر صاحب الكاريزما الكنسية والهمّ الإنساني، ساكو، الذي يشغله الهاجس الوطني والأخلاقي والأدبي لشعب العراق الجريح ليلَ نهار، أكثر من سياسييّ الصدفة الذين ركنوا جانبًا هيبة الوطن ورفعتَه وداسوا على حقوق المواطن واستبعدوا هموم رفاهه وراحته ومشاكله من أجنداتهم وأنشطتهم الأنانية الضيقة.

    ولعلَّني أضمّ أمنياتي مع تساؤلات الكثير ممّن يهمّهم الشأن العراقي، بإمكانية وقدرة التيار الذي يقوده هذا الرجل "اللغز"، على تغيير مسار العملية السياسية وجعل الحكومة القادمة فعلاً ذات صبغة "أبوية" تعطف على فقراء ومساكين ومهمّشي هذه البلاد، وما أكثرهم، فتقطع دابر الفساد والمفسدين والخراب والمخرّبين والأذناب والمرائين والتابعين، تمامًا كما وعدَ وصرّح، وهو الذي حصد تيارُه الذي يتزعمه "سائرون" أكثر الأصوات في الاقتراع الأخير؟ أتمنى ذلك من كلّ قلبي.

   لستُ أبالغ في توقعاتي، إنْ صدقت النوايا، أن يضمّ هذا التيار صوتَه للأصوات الصارخة المتزايدة التي سئمت العملية السياسية برمتها والاصطفاف حقًا بجانب الأيادي الكثيرة الضارعة المنادية بالتغيير حرصًا منها على إنقاذ البلاد من مقابض الطائفيين التابعين اللاوطنيين الذين عاثوا في أرض العراق الطيبة فسادًا وعملوا على تجفيف الزرع والضرع.

   فقد أثبتت السنوات الخوالي منذ الاحتلال المشين في 2003، صعود غرباء ودخلاء على العملية السياسية وعلى نوع الديمقراطية التي صنّفها وهيّأها المحتل وفق مقاساته السياسية ومصالحه الاحتلالية عبر مَن وظّفهم في ميليشيات وعصابات ودكاكين سياسية ومجتمعية بمسميات عديدة.

    ومن الواضح، أنَّ نفرًا جائعًا وغير مصدِّقٍ بما آلَ إليه بعضُ هؤلاء الدخلاء على الوطنية والمواطنة، قد استغلّوا بساطة وسذاجة الغالبية العظمى من أبناء الوطن بحجج وأعذارٍ ظاهرُها التمدن والمدنية وباطنُها أطنان الكذب والنفاق والرياء والمساومات والصفقات المريبة، ما منحهم مزيدًا من فسحة الاستهتار والاستهانة بالعامة من البسطاء والمهرولين الساذجين واستغلالهم لصالحهم ولصالح الجهة الداعمة لمشروعهم، دينيًا كان أو طائفيًا أو مذهبيًا. اليوم، أمام المدّ الجارف المخطَّط له بعناية من بعض الدول الكبرى الطامعة ودول الجوار المؤثرة في أساليب الخداع والتمويه والضحك على الذقون، وقفت شبه الدولة العراقية وحكومتُها الحالية عاجزة عن تلبية مطالب الجماهير المعترضة على أنواع الفساد الإداري والمالي، والمنادية بالتغيير منذ أربع سنوات، والمطالِبة بمحاسبة كلّ مَن سوّلت له نفسه أن يلعب بقوت الشعب ويرقص على مشاعر البسطاء ويدغدغ عواطفهم المهزوزة بحجج دينية ومذهبية وطائفية. كما لم يترشح عن التصريحات والوعود الرسمية لرأس الحكومة وأركانها سوى أدوات التسويف والمماطلة وتمشية الأيام، بحيث اكتسبت هذه الأخيرة صفة حكومة مغانم نهاية الشهر المتمثلة بالمرتبات والامتيازات الكثيرة المتنوعة التي يحصل عليها القائمون في الحكم وخلاّنهم وأتباعهم والمقربون منهم والمتعاطفون معهم.

   و"ما شاء الله"، شعبُ العراق بصفته المتلونة واستعداده لتقديم شخصية مزدوجة في سلوكه اليومي لا يحتاج إلا لدقّ الطبلة والمزمار كي تهتزّ مشاعرُه ويبدي نخوتَه المشهودة وغيرته المعهودة على أدعياء الدين والمذهب والطائفة. فكلنا نعلم أنه إزاء هذه الأخيرة لا شيءَ يقف حائلاً ولا راحمًا ولا رادعًا، بالرغم من بروز صحوة متأخرة لنفرٍ اكتوى بمثل هذه الترّهات والحجج، عندما تجرّأت أفواج من المعترضين من شتى التيارات الوطنية لترفع في ساحات الجمعة طيلة الفترة المنصرمة شعارهم المدوّي: "باسم الدّين باقونا الحرامية" و"شلع قلع"، الذي نخشى اغتياله وأفوله ضمن ترتيبات تشكيل الحكومة القادمة. إن شعب العراق بكافة مسمياته وتلاوينه المكوناتية، ليس بطامع بأكثر من عبارة "سلام الرب" أي "سلام الله" التي انتقاها بكل عناية كما يبدو، سماحة الرجل الديني مقتدى الصدر في تهنئته المرفوعة لمقام واحد من أرفع الرموز المسيحية في البلاد الذي يستحق بجدارة ما ناله من استحقاق من لدن رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم.

    فبتكريم بابا الفاتيكان للبطريرك الكلداني يكون قد كرّمَ كلَّ العراق وأهلَه، وأعاد للبلد الجريح شيئًا من الثقة بالنفس وكثيرًا من البسمة التي غادرته بعد أن عزفت عنه معظم دول العالم وأصبح في عداد المحتضرين في صالة الإنعاش منذ عقود. إنها التفاتة أبوية تستحق التقدير والثناء! "سلام الرب" الذي اختاره السيد الصدر في هذه المناسبة المبهجة، هو ذات السلام الذي يتفوه به الجميع، وهو ذاتُه الذي يتغنى به الزعماء ويتحدث عنه الملوك والعامة سواء بسواء، ويسعى إليه ذوو الإرادة الطيبة في العالم. فكيف به إذا تناغم مع خطوات وأهداف وتطلعات قائدَين وطنيين من ديانتين توحيديتين، سمة اثنينهما رسمُ خارطة طريق سليمة وصحيحة ووطنية للبلاد التي غرقت في أطيان الفساد والتخلّف والمخدّرات التي باتت تفتك بشباب الوطن بسبب العوز والحاجة والبطالة والسأم من القائمين على إدارة شبه الدولة.

    فالصدر وساكو، ومَن على خطواتهما من المتنورين المنادين بدولة مدنية بمعايير إنسانية ونخب المثقفين الصابرين وأفواج الحريصين على لحمة الوطن الاجتماعية وعلى أسلوب بنائه ونموه بهدف استعادة مكانته الدولية والحضارية والعلمية والمجتمعية، هم المعوَّل عليهم في توجيه سياسة البلاد والسياسيين نحو الاستقامة في الأداء وفي صحة تقديم الخدمات الآدمية وفرض الأمن وسيادة القانون وتثبيت أركان دولة مدنية حقيقية تتبع المعايير الدولية والإنسانية المتمثلة بالعدالة والمساواة ورفض التمييز على أسس عرقية ودينية ومذهبية. حسنًا فعلها ائتلاف سائرون الديني بتحالفه مع نقيضه المدني المتمثل بالحزب الشيوعي ومَن على خطاهم وخطهم الوطني والمدني كي يخرج بتوليفة وطنية صادقة مقربة من الشعب ومطالبه وطموحاته بحياة أفضل وأمان أكثر وخدمات أحسن. فمثل هذه الطموحات والأمنيات تتعانق مع مقتضيات نوع السلام الذي أرسله السيد الصدر. وهو ذاتُه الذي لا يفارق أفواه الجميع في كلّ يوم وكلّ ساعة منذ الصباح الباكر وحتى المساء.

    ومهما كان تاريخ هذا الرجل ومهما كان ما يُقال ويُكتب عن قائد "سائرون" بعد فوز كتلته بأعلى الأصوات، فهو يستحق اليوم أن يدخل ضمن خانة الحريصين على وحدة البلاد وخدمة العباد، وأن يكون في محور اللقاءات والاجتماعات والمفاوضات، سواء توقّعَ منه المواطنون والسياسيون والعقلاء والمثقفون والأتباع الكثيرَ أو القليل. فقد اكتسب بحق سمة الدعاة من أجل تحقيق المواطنة الكاملة والرعاية المفقودة للجميع من دون تمييز، وهي "سمة وطنية" بامتياز يتشارك بها مع صاحب الإنعام بالدرجة الكاردينالية، البطريرك لويس ساكو.

    فكلاهما ينظران للمستقبل ويتطلعان للوصول الى نتيجة مثمرة من خلال المناقشات والمفاوضات مع كل الفرقاء والزعماء والكتل والأحزاب، شريطة أن يتولى رئاسة الحكومة شخصية وطنية معتدلة لا تدين بالتبعية لأحد، بل بالولاء للوطن وأهله وأرضه وسمائه ومياهه. وكذا يجب أن يكون أعضاء الحكومة من الأكفاء في العلم والإدارة والخبرة معًا، بعيدًا عن اشتراطات المحاصصة والطائفية التي نخشى إعادة ترويجها وتكرارها، "فترجع حليمة على عادتها القديمة." في الوقت الراهن وفي هذه الفترة المفصلية، على الجميع أن يضع نصب عينيه، أنّ الكلَّ أبناءُ وطن واحد، لهم تاريخ مشترك واحد، وينتظرهم مستقبل مشترك واعد، به يحفظون ماء الوجه وبه يذودون عن الوطن وبه يصنعون الإنسان الجديد ويتركون جانبًا أية صراعاتٍ مقيتة خلقها المحتل ودول الجوار، دينية كانت أم مذهبية أم عرقية. وأي فريق يضع شروطًا مسبقة للفوز بمناصب سيادية أم غيرها، لا يستحق منذ الآن أن يحمل اسم "العراق"، ولا أن يعيش على أرضه، ولا أن يشرب من مياهه، ولا أن يطير في سمائه، ولا أن ينال من ثرواته.

    فهذا الصنف من العناصر الأنانية، سيكون منبوذًا ويبقى مضرًا للبلد وأهله. أخيرًا، لك منّي هذه الرسالة يا سيدي مقتدى. أدعوك لأن تصنع سلامكَ وفق رؤيتك الوطنية الصريحة المستقاة من ثوابت مرجعياتك الوطنية الرشيدة. دعْ هذا السلام يتناغم مع سلام المسيح الذي وجّهته لنظيرك ومحبك ودليلك في الوطن، ساكو. فالمسيحيون طيبون بطيبة الشعب العراقي الأصيل، وليس لديهم أسلحة ولا سيوف ولا غدارات، بل هذا السلام الذي اقتبسته ليكون مع الجميع وعلى الجميع وللجميع في الطريق القويم.

    وأنتم وكلّ الطيبين المسلمين الحقيقيين يقدّرون هذا السلام ويستأنسون بهذه الطيبة وينشدون ما يحمله أتباع المسيح في العراق من محبة وغيرة وجدارة وتسامح وتكافل وتضامن وتعاون مع إخوتهم في الوطن.

    فهذا وذاك، دليل على قرب إيماننا المشترك بسلام الله ومحبته ورحمته للبشر جميعًا.

-------------------------------------

---------------------------

 

أعلى الصفحة

العودة للصفحة السابقة