ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الاخرى

كتابات عامة

 

اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسية

 

  تأريخ التطعيم الواقي من الجدري في العـراق

د. وسن حسين محيميد

                                                                                                                                                           

 

 13 أب 2009

      قبل منتصف عام 1786م قدم بغداد شاب أرمني كاثوليكي من أهل الأستانة أسمه أوانيس وشهرته مراديان للقيام بتجارة آل صوفيالي المقيمين في العاصمة المذكورة وهم أيضاً من الأرمن الكاثوليك، وكان في بغداد يومئذ واحد منهم يدعى خواجا ساراغا. الذي عهد إلى أوانيس قبل عودته إلى وطنه بجميع أمور تجارة الصوفياليين بعد أن اتخذه شريكاً لهم في الأرباح والخسائر. الا ان أوانيس مالبث أن أنفصل عنهم فأستقل بتجارته مع أخويه بوغوص وفيلبس وكان أحدهما في الأستانة والأخر في مدراس (الهند). فنجحوا أول الأمر لكن نجاحهم هذا سرعان ما أخذ بالأفول مما اضطر أوانيس أن يخدم القنصلية الفرنسية في بغداد ترجماناً ليفوز بحماية فرنسا.

 

      وعلى يد هذا الرجل دخل بغداد لأول مرة التطعيم الواقي والعام من الجدري طبقاً لطريقة جنر، وقد واجه مصاعب عدة في سبيل الوصول إلى إقناع أهل بغداد بقوله لهم والإقدام عليه وذلك بسبب الأوهام السائدة وقتئذ على العقول ولاسيما إذ يُظن أن التطعيم مخالف للقدر وعليه فلا عجب إذا ما حبطت في أول الأمر مساعي أوانيس بالرغم من مساندة الدكتور شارت Shart طبيب القنصلية الانكليزية في بغداد.

 

      عاد أوانيس عام 1809م لبذل قصارى جهده في تذليل العقبات وتشتيت الأوهام التي حالت قبلاً دون غايته وأخيراً تكلل مسعاه بالنجاح حتى أن مفتي بغداد الكبير أحمد أفندي وافق على تطعيم أولاده وحفدته الستة وذلك بعد أن طعم أوانيس أبنه سيزار بحضور كثير من أرباب الأُسر وكان أكبر مؤازر له في مساعيه هذه الثانية الدكتور هين Hyne خلف الطبيب شارت.

 

      فما قام به مفتي بغداد شجع الناس باختلاف مللهم للإقدام على التطعيم بلا خوف ولا تردد حتى أن أوانيس تمكن من أن يطعم مع امرأته تريزية أكثر من خمسة الآف وأربعمائة ولد في مدة تسع سنوات دون أن يحدث حادث يقلل ثقة الناس بالتطعيم، وكان تطعيم الثلثين من العدد المذكور مجاناً. كما كان من عادة آباء الأولاد المطعمين أن يسلموا أحياناً إلى أوانيس شهادات ناطقة بفضله وشكره وبمنافع التطعيم وعدم مضاره.

 

      ولم يكتف أوانيس بتعميم التطعيم في بغداد ونواحيها، بل عمل على نقله إلى مختلف أرجاء البلاد، فأدخله الموصل على يد القس بطرس أخطل الموصلي أبن الأسقف بشارة السرياني وذلك بعد أن علمه في بغداد أصول التطعيم ودربه على طريقة أجرائه مدة بضعة أشهر ولما عاد إلى الموصل زوده كتابة بعدة تعاليم فنية وكان يكاتبه من وقتٍ إلى آخر بالايطالية.

 

      توجه أوانيس إلى طهران ليقوم بنشر التطعيم فيها، وفي بغداد ترك زوجته لتقوم بشؤون التطعيم، غير أن البعض من الجهلاء والجاهلات أخذوا يتدخلون في أمر التطعيم دون درايةٍ به فأدى ذلك إلى نتائج وخيمة أفقدت الناس ثقتهم به وابتعادهم عنه، ظلت الأمور هكذا إلى أن أرسلت شركة الهند الانكليزية مُطعماً على حسابها وهو محمد صالح خادم الدكتور هين الا انه لم يمر وقت طويل حتى توفي. فقامت حينئذ زوجة أوانيس بمزاولة نشاطها بمساعدة ابنيها في إعادة ثقة الناس بالتطعيم وإعلاء شأنه ولو أن الأمر كلفها تضحياتٍ عدة.

 

      وفي عام 1847م أنفذ السلطان عبد المجيد أمراً بإرسال راغب بك حاجبه الثالث إلى بغداد وغيرها من الولايات العثمانية ليتفقد أموالها وينظر في شؤونها، ويهدي في الوقت ذاته سيفاً إلى محمد نجيب باشا والي ولاية بغداد تقديراً لحسن ادراته وحكمه للولاية فدخل راغب بك بغداد في 21اذار من العام نفسه ومعه الطبيب الارمني باروناك فروخ خان الذي رافقه من الأستانة ليداوي المرضى ويطعم الأولاد مجاناً في جميع المدن والقرى التي على طريقهما وما أن وطئت قدماه بغداد حتى اخذ يقوم بوظيفته المعهودة إليه في جهاتٍ عدة من العراق من ثم عاد إلى الأستانة.

 

      ومن ذلك اليوم لم ينقطع التطعيم في العراق بل زاد شأناً وانتشاراً فكانت تزاوله غالباً القوابل وبعض النساء المسنات فضلاً عن الرجال، أما طريقتهم المألوفة في التطعيم فكانت قائمة على نقل الطعم من ذراع مطعم إلى ذراع غير مطعم إلى جاب استعمال المصل البقري الذي كان يبطل سواه.

 

 

 

 المصادر:

  - دير نرسيس صائغيان،صفحة من تاريخ التطعيم، مجلة لغة العرب، ج2، سنة7.

 

 

 

 

أعلى الصفحة

  العودة للصفحة السابقة