ما المطلوب من مسيحييِّ العراق بعد الغاء المادة (50) وقتل وتهجير مسيحيي الموصل 

سالم صادق/ السويد

salem-sadek@hotmail.com

 

 10 آذار 2009

 

  بداية بعد الذى حدث فى البرلمان من التصويت على المادة (50) بشكل مقرف واستهتار بحقوق الاخرين، من ثمة الشروع فى قتل وتهجير مسيحي الموصل، وجدت لزاما عليَّ  وعلى كل الخيرن من أبناء شعبنا المسيحى فى العراق وخصوصا الاحزاب الاشورية والكلدانية وغيرها المتواجدة على الساحة العراقية فى الداخل والمهجر توحيد صوتنا لكى لا يختلط لدى البعض باننا متشبثين بالاراء والافكار فيما بيننا وكأننا عدة قوميات، وقد دفعني ذلك لقرائة تاريخ بلاد النهرين والعراق والتعمق باصول المسيحيين العراقيين، اذ اني لاحضت ان القوى العلمانية واليسارية تكنُ الخير لمسيحي العراق الا ان التشرذم القومى وعدم الدقة فى تاريخ بلاد الرافدين اوصل كل من لايريد الخير للمسيحيين التربص بهم لاسيما وان عدد المسيحيين لايسمح بأى انقسام حزبى اوغير ذلك.

  لذلك سأتناول فى مبحثى هذا اصول القوميات المسيحية  وكيف انصهر بعضها بالبعض وما المطلوب كي نحافظ على تأريخنا وحضارتنا بعيدا عن كل تعصب قومى، كما وارجو من كافة الاخوة من الكتاب المسيحيين الكف عن كل ما يثير حساسيات بين المسيحيين راجيا قراءة  هذا البحث بالتالي  يعود الخير على كل المسيحيين.

                                                

   المبحث الاول

نبذة مختصرة عن الكلدان والاشورين

  جاءت تسمية الكلدان من قبيلة آرامية اسمها كلدو وحكمت بلاد النهرين الممتد من جنوب حتى اواسط وغرب بلاد النهرين وكانت عاصمتها بابل (الحلة وما حولها حاليا) وقد امتدت حدود الامبراطورية الكلدانية حتى وصلت الى الهند. ازدهرت الثقافة والعلوم كالطب والفلك والهندسة المعمارية والرياضيات بحيث تعتمد بعض قوانيها الى يومنا هذا كما مشار فى كثير من المصادر الاوربية. وفى عهد الكلدان انشئ اول قانون للادارة المدنية للدولة وكذلك قانون الخدمة فى الجيش وكان اشهر ملوكهم حمورابى. كانت لغة الكلدان فى البداية هى اللغة الاكدية السومرية ثم ما أن طغت اللغة الآرامية قبل فترة قصيرة من بدأ الميلادية حيث طغت اللغة والثقافة الآرامية على الكلدان، وان تعددت اللهجات الا ان الكل يفهم بعضهما البعض.

  أما الاشورين جاءت تسميتهم من الآله الوثنى اشور الذى كان يعبده الاشوريين. الدولة الاشورية امتدت لتشمل اجزاء من تركيا وسواحل الاردن وسورية ولبنان حتى جنوب مصر وكانت عاصمة الدولة الاشورية  نينوى (الموصل وماحولها حاليا).

  أمتازت الدولة الاشورية بتكوين جيش جرار وقوى امتاز بالمهارة العسكرية كما انهم خلفوا إرثا حضاريا فى الفن والادب والتشريع، وتشربوا بالحضارة البابلية، كما ان لغتهم كانت الاكدية السومرية ثم ما ان لبثت لتصبح اللغة الآرامية، حالهم حال الكلدان حيث ان الاشوريين والكلدان يستطيعون التفاهم فيما بينهم بشكل كامل مع تعدد اللهجات الا ان ذلك لايؤثر على التفاهم مع البعض فقط السريان الذين هم من الاراميين واطلق عليهم سورايا عندما اصبحو مسيحيين وجمعها سريان.

  استطاع الاشوريين ان يفرضوا سيطرتهم على الجنوب البابلي من بلاد النهرين، وبسطوا سلطانهم على الجزيرة العليا فى معظم ايام مجدهم، واقامو امبراطورية واسعة فى عصر الدولة الاشورية الحديثة، ومن اشهر ملوكهم اشور بانيبال.

  شهدت بلاد  النهرين حروبا كثيرة خاضها الاشوريين والكلدان فيما بينهم او مع الشعوب الاخرى وكان هدفها اقتصاديا وان ظهر بعض الملوك الذين كانوا يحاربون من اجل تمجيد ذاتهم واشباع رغبة جامحة عندهم للسيادة والاستبداد بمقدرات شعوبهم.

  وعليه هناك استنتاج واضح ان حضارة بلاد الرافدين لم تكن حضارة السومريين او الأكديين او الكلدان او الاشورين كل على حدة، بل كانت حضارة الجميع.

  نتيجة الحروب التى حدثت بين الاشوريين والكلدان، حدث امتزاج الاجناس واختلطت ملامحهما بعضا ببعض. تشير الحوليات الاشورية الى ان اكثر من 400 ألف  كلدانى من الممالك الكلدنية اسرهم الاشورين فى عهد سرجون الثانى (507--- 721ق م) وتم توطينهم فى بلاد الاشوريين. وهكذا بالنسبة للدولة الكلدانية عندما سقطت الدولة الاشورية على يد الكلدان والاميديين حيث خربت القوات الاميدية نينوى عاصمة الاشوريين، الا ان  الكلدان اكتفوا بأخذ بضعة الآف من الاسرى.

 

المبحث الثانى

  كان سقوط الدولة البابلية على يد القائد الفارسي قورش، حيث اول عمل قام به هو تشتيت الكلدان فى الاقاليم التابعة لسيطرته. ومن جراء الحروب التى حدثت بين الكلدان والاشوريين يتضح انها كانت حروب نظيفة بالمعنى الحديث، اي انه لم يكن هناك تخريب للحضارة او المدن بل كان احترام للحضارة والاسرى. الا ان الموجات الفارسية قد احدثت تخريب وقتل الالاف من الاشوريين والكلدان.

  فى القرن الاول الميلادي انتشرت المسيحية فى بلاد ما بين النهرين بأكملها، وهكذا حدث الامتزاج العرقي نتيجة التزاوج وانصهرت القوميتان الآشورية والكلدانية تحت راية الديانة المسيحية، وبنفس الوقت جاعلة اللغة الآرامية التى تكلم بها السيد المسيح لغة التفاهم فيما بينهم. وبقيت الحال هكذا على كامل بلاد ما بين النهرين تدين بالمسيحية. ويقال ان فى مدينة البصرة كان هناك 1200 راهب وقس فى القرنين الرابع والخامس الميلادي، وكذلك فى المدن الاخرى مثل الناصرية والعمارة والحيرة وما حولها، وتشهد على ذلك الاديرة المشهورة دير هند الكبرى والصغرى والسدير، وما اكتشاف الكنيسة المسيحية فى كربلاء قبل فترة الا شاهد على ذلك.

  بعد انهيار الدولة الفارسية في عام 642م جاء الغزو العربي الاسلامي وانتقل الكثير من المسيحيين من مدن جنوب بلاد النهرين الى شماله، وبقى قلة منهم اتخذ الديانة المندائية وتكلموا العربية وسموا اسمائهم كذلك خوفا ان ينكشف امرهم.

  وهكذا انصهر الكلدان والاشورين بعضم بالبعض بالكامل ولم يقل اى منهم انا كلدنى او اشورى بل يقول سورايا اي مسيحي، حيث تعرضوا مشتركين لاضطهادات عدة، وما الاديرة المشتركة المقامة فى اعالي الجبال الا شاهدا ً على ذلك.

  بقى الحال هكذا الى عام 1525م حيث جاء  المبشرون الكاثوليك من روما، ولمبدأ الوكالة المسيحية باعتبار القديسين بطرس وبولص قد استشهدا فى روما، فانقسمت الكنيسة الى نسطورية وكاثوليكية. عندئذ عادت التسمية الاشورية والكلدانية من جديد. للاسف نحن كشعب واحد ليس لدينا اى شعور بذلك الا القليل من المتعصبين. حيث ان بعض الكتاب يتناولون هذا الموضوع بشكل لايخدم مسيحي العراق وخاصة ما آلت اليه أوضاعهم.

المبحث الثالث

  اذا نظرنا فى التاريخ الحديث لوجدنا ان الاضطهاد الذى تعرض له المسيحيين لم يفرق بين من يدعى اشورى او كلدانى والى يومنا هذا. بعد الحرب العالمية الاولى كان جيشا ً من المسيحيين قادم من شمال العراق ينوى اعادة مجد نينوى وبابل حيث كانوا قد اخذوا وعدا ً من روسيا القيصرية والانكليز بمساعدتهم، وعندما زحف هذا الجيش انسحبت الفرقتان الروسية بسبب حدوث ثورة اكتوبر البلشفية فى روسيا كما ان الطيران الانكليزى اخذ يقصف الجيش المسيحي بدلا من ان يساعده ليقيم بعد ذلك النظام الملكى فى العراق.

  وفى عام 1933 حدثت مجزرة سميل التى راح ضحيتها الالاف من المسيحيين العراقيين، اما فى عام 1963 تم اعدام 12 شاب فى مدينة تلكيف، واجبر اهاليهم بالحضور الى مكان الاعدام واجبروا على الزغاريد ودفع ثمن الاطلاقات، وهكذا لعب الحرس القومى والاخوان المسلميين والقومين العرب فى اضطهاد المسيحين. من ثم استشهد الكثير من المسيحيين اثناء الحرب العراقية الايرانية. واخيرا فى بداية التسعينات رفع الدكتاتور صدام شعاره السيء الصيت (الحملة الايمانية)، حيث تم غلق كافة المرافق الاقتصادية من مطاعم ومشروبات التى كانت تعود للمسيحيين وقطع المورد الاقتصادي لآلاف العوائل، كل هذه العوامل دفعت الآلاف من العوائل المسيحية الى الهجرة خارج العراق.

  كل هذه الدلائل تشير الى ان الاضطهاد لم يفرق بين المسيحيين العراقيين. اذا لماذا نفرق نحن فيما بيننا ما هو اشوري وماهو كلدانى، بالتالى الانقسام الى احزاب وفئات ليشمت فينا من يريد افراغ العراق من مسيحييه، كما حدث فى الآونة الاخيرة فى قبة البرلمان. ومن جانب اخر نضع القوى العلمانية واليسارية التى ترغب فى مساعدة المسيحيين فى حرج، لانها لا تعرف من يمثل المسيحيين!!!.

  الذي يجمعنا اللغة الارامية وثقافتها والدين المسيحي والتاريخ المشترك، كل هذه العوامل تتطلب منا توحيد احزابنا السياسية ومنظماتنا فى الداخل والخارج، لاسيما ان الايام القادمة سيشهد فيها العراق وضعا اكثر صعوبة بكثير مما مر عليه، ومن جانب آخر إن عددنا الذى بالقياس الى اعداد القوميات الاخرى ضعيف.

  كلي امل ان يقرأ هذه الدراسة كافة اخوتي المسيحيين فى العراق وفى الخارج  ليجعلوا منها ورقة للتوحيد وسيرى العالم ان مجد نينوى وبابل سينبعث من جديد.

متمنيا التوفيق لبلاد ما بين النهرين والله يحفضكم من كل مكروه

  المصادر

1-تاريخ الكنيسة السريانة الشرقية    البير ابونا

2-الكلدان المعاصرون   الدكتور عبدلله مرقص رابى