ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الاخرى

كتابات عامة

 

اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسية

 

 

  الديانـــة الشمسيـــة

أصولها.. معتقداتها.. وعاداتها

د. وسن حسين محيميد

                                                                                                                                                           

 7 كانون الثاني 2010

 

        الشمسيون قوم تدل ملامحهم على أنهم جبليوا السكنى، يمتازون بطول القوام وخلق مفتول، هامتهم في الغالب كبيرة، وشعرهم أسود فاحم وافر، وانفهم أقنى، وفمهم واسع، وعينهم دعجاء نجلاء، وشاربهم ضخم، ولحيتهم كثة، وذراعهم طويلة عبلة، وكفهم واسعة،وأصابعهم مستطيلة، وصدرهم رحب، ومنظرهم جهير، وبطنهم ملموم، وساقهم مملوءة وقدمهم عريضة كبيرة، وفي الجملة تراهم كالجبابرة. ونسائهم في غاية الحسن والجمال والروآء، والذي طالع في التواريخ القديمة شيئاً عن وصف الماردين (أو المردة أو الماردية، Mardes ،Mardaites)

        لايشك في أن هذا الجيل من الناس نازل منهم ومن صلبهم. هذا من جهة خَلقهم أما خُلقهم فيشبه خُلق الجبليين فأنهم غليظوا الطباع جفاتها، يستسهلون القتل إذا مارأوا غفلةً من أعدائهم، يقطعون الطرق على خصومهم ويباغتونهم شر مباغتة، وإذا قتلوهم مثلوا بهم، ولهم شجاعة عظيمة وإقدام غريب على اقتحام المصائب، فهم لايهابون الموت، وهم يحبون الضيف ويكرمونه ولا يغدرون به البتة، ويعرفون بالجود والكرم وإباء النفس. وهم أصحاب جلد لاحتمال البرد والثلج والجوع.

        أما أصولهم فتعود إلى الماردين الذين كان موطنهم الأول الديار الشمالية من بحر الخزر أو بحر قزوين. وكان ملوك الروم جلوهم ونقلوهم إلى جبال الجزيرة وسورية ولبنان. ومن اسمهم تسمت مدينة "ماردين" وبقي هناك عدد عديد منهم وكذلك في جوار ديار بكر وجبال شمالي الجزيرة، فحفظوا آدابهم وأخلاقهم وديانتهم.

        أما ديانتهم فالشيء الظاهر للعيان عند مشاهدة  هؤلاء الناس، أن الشمسيين لايصلون ولا يصومون علناً ولا يأتون عملاً دينياً بيناً يدل على عبادتهم للإله، أو على اعتقادهم بنبي من الأنبياء، وإذا خالطهم الإنسان عرف أنهم لا يعتقدون بنبوة موسى ولا عيسى ولا محمد، ولا يسلمون بأوليائهم ولهذا لا يبوحون بمعتقدهم لأحد لئلا يكفرهم من ليس على دينهم فيستدركون الأمر بإخفاء مذهبهم، وديانتهم تعد خليطاً من جميع النحل والملل والمذاهب، يعتقد الشمسيون أن الإله الأعظم الذي تحت أمره سائر الإلهة (لأنهم يعتقدون بكثرتها) هو الشمس، وسائر الآلهة هي القمر والنجوم وسائر الكواكب من متحيرة وثابتة، والشمس عندهم (ذكر لا أنثى) خالق الموجودات كلها من منظورة وغير منظورة، من معروفة ومجهولة، من باطنة في المخلوق وخارجة عنه، ولولا عنايته (أي الشمس) لفني كل ماعلى هذه البسيطة من حيوان ونبات وجماد.

       وهم يسجدون لها أو له بلسانهم صبحاً وظهراً ومساء بحيث لايراهم احد، لكي لايكفرهم، وهذا السجود غير واجب أداؤه لمن كان خارجاً عن داره، فإذا أشرقت اتجه الشمسي إليها ومد ذراعيه أو كفيه كأنه يغترف شيئاً من الهواء أو من النور الجديد المنبث في الكون، ومسح وجهه بما توهمه انه تلقاه منه ودهن به كتفيه وذراعيه وساقيه وقدميه وهو في تلك الأثناء يتمتم. وعند الظهر يركع عدة ركعات عند تكبد الشمس السماء. وعند الغروب ينتظرها قائماً في مكان عال بحيث يرى مغيبها ليودعها وداع آخر النهار وفي مطاوي تلك الركعات والسجدات يزمزم زمزمة جدوده (أي عبدة الشمس) آفتاب برستان.

       وهم يؤمنون بالعواقب الأربع ويكرومون كل الإكرام الأسد والنمر ويبجلونها ويكرمون بعض الأشجار ولاسيما الكبيرة الضخمة منها، وبالأخص الحور ويجلون السوس والاذريون والبابونج والأقحوان، والهندباء والقطن ولاسيما التنوم (دوار الشمس) وجميع النباتات التي تتأثر من حركة الشمس فتدور أوراقها بدورانها، ويجلون من الحشرات الوزغة وأبا بريص والحرباء للزومها جميعها حرارة الشمس، ويعظمون الذهب لان لونه لون الشمس ولأنه يقضي جميع حاجاتهم إذا ماكان بأيديهم.

        ويزعمون أن كل من لايجل الشمس ويعبدها يهلك لا محالة ونصيبه النار الخالدة. وليس لهم كتب منزلة أي مقدسة ولا يعرفون القراءة والكتابة ويحرمونها على أبنائهم وبناتهم. ولهم في السنة عدة اجتماعات يعقدونها في الأسراب أو المغاور. وربما خالفوا بين كهف وكهف في كل مجتمع لكي لايهتدي احد إليهم ويفاجئهم وهم في ذلك المعبد المتخذ إلى اجل مسمى لاغير وفي تلك الاجتماعات يتشاورون ويتباحثون ويلقن كبارهم بالغيهم من ذكور وإناث أسرار ديانتهم ولا يجيزون لواحد أيا كان أن يشهد ذلك الحفل مالم يكن بالغاً حافظاً للسر وعرف بينهم بحسن السلوك والآداب ويؤكدون أن عقوبة من يفشي السر الموت أينما يحل ويرتحل. وإذا أنكر احدهم دينه وصبأ إلى دين أخر لايفشي سراً من أسرارهم ولو قطع ارباً اربا. وهم لايعرفون فساد الآداب ولا يطلقون لأنفسهم الأعنة لشهواتهم وأميالهم السيئة. وإذا اجتمعوا كان فيهم الرجال والنساء معاً وهم لايفرقون بين شق وشق فللمرأة حق مثل الرجل وهم يساوون بينهما ولا يفضلون الذكور على الإناث.

        والتقية شائعة عندهم، في صغارهم كما في كبارهم، فإذا ساقتهم الأحوال إلى التغرب أو الى أن يكونوا في موطن ليس فيه من شيعتهم احد قالوا أنهم من أهل دين ذلك الموضع فهم يهود مع اليهود ونصارى مع النصارى، ومسلمون مع المسلمين، وأيزيدية مع الأيزيدية إلى غيرهم. وهم يكرهون المسلمين اشد كراهية لأنهم فتكوا بهم مرات كثيرة لاتحصى وبطرق هائلة ولهذا تراهم يكظمون غيظهم وحقدهم في الديار التي يكثر فيها المسلمون، إذا ما نزحوا إليها، خوفاً على نفوسهم من القتل. وهم يأتلفون والنصارى ويكثرون الاختلاف إليهم والاختلاط بهم. وكل مرة أجبرهم المسلمون على ترك دينهم والتمسك بدين أخر يكون معروفاً في البلاد المسلمة فضلوا النصرانية على سواها، وان كانوا في بعض الأحيان يبطنون معتقدهم. وإذا تنصروا انضموا إلى الأرمن في اغلب الأحايين، أو الى اليعقوبية. ولهذا ترى بعض الأسر من هذين المذهبين أجدادا شمسيي الأصل أي أن في أسماء سلفهم أسماء فارسية اوكردية أو غريبة عن الارمنية والسريانية.

        ومن عجب أمر هذا الدين انه وان كان خليطاً من سائر النحل والملل لايرى فيه شيء من الموسوية ولا المحمدية، ثم أن معتقداتهم هذه لاتبقى في حالة ثابتة واحدة، بل تتغير بتغير أنسالهم وذلك لأنهم لايرجعون في مذهبهم إلى سفر مكتوب ولا إلى مصحف منزل أي مقدس، فليس لهم ما يصونون فيه آراءهم الدينية من الخلل والخطل، ولا من الزيادة والنقصان، فيعتورها جميع الشوائب والمعايب في اختلاطهم بمن ليس على مذهبهم، فإذا احتكوا بهم زمناً طويلاً وسمعوا منهم ما ليس معروفاً في مذهبهم أضافوه إليه وظنوا أن ما سمعوه من هذا الغريب النحلة سرقه من أقوال جدودهم.

        أما لغتهم كدينهم فيها من جميع اللغات والألسنة فهي خليط من الزندية والفارسية والتركية والكردية والعربية والارمنية والآرامية (السريانية) وتدوينها ودرسها من أهم الأمور.

        أما ثيابهم فتشبه ثياب سائر أكراد الجبال ومسيحييهم فالذي يظهر من تلك الملابس البشما وهو سراويل واسعة من صوف ثقيلة تلبس فوق سراويل خفيفة من قطن اسمها (شروالا) ويلبسون على الصدر (زخمة) وعلى الزخمة مايسمونه (اليلك) ويشدون على وسطهم منطقة عريضة من صوف اسمها (خاصا) ويلبسون في أرجلهم جوارب يعرفونها باسم كروى (وتلفظ) وفوقها الأحذية التي يسمونها (زركولة) argouleh. ولا يسير الرجل منهم بلا أسلحة إذ لابد منها عندهم والاعد ذاك الرجل من اللئام. وأول شيئ كانوا يلبسونه هو (الخنجر) وعلى الجنب (السيبا) وهو السيف وعلى صدره قلادة من الرصاص يسمونها (رخت) وعلى ذراعه البارودة ويسمونها (تفنتا).

        يعد الزواج عندهم مجلبة الأفراح، ولا يجوز للرجل الواحد الا اتخاذ امرأة واحدة، ولا يعرفون الطلاق ولا الزنى إلا في ماندر. ومخالطة الرجال للنساء في مجتمعاتهم تحفظ آدابهم من الفساد. ولا يجري بينهم مايخدش الآذان من أسباب الاضطراب والبلبال واغلب الأحيان يعيش الزوجان بالاتفاق والوئام.

        وإذا مات في البيت واحد منه لم يضجوا له ضجة عظيمة كما يفعل أبناء الشرق من يهود ونصارى ومسلمين بل يسلمون أمرهم (للشمس) التي تحيي وتميت وتدعو عبادها إليها في دار الخلد الطيبة.

        ويعتقدون أن الصالح منهم إذا أوشك أن يموت ظهر بين يديه مثال من الخلق مجسم جسما تعوزه الروح لتحيا. وهذا الجسم يكاد يشبه خيال الظل ولا يتحرك الا بعد دخول الروح ويكون ذلك بعد موت المحتضر. ويرى حول ذلك الخيال روحانيون (Eons) صالحون يسمون الواحد منهم بلسانهم "فري"Fery ومنهم من يسميه "فررخFar-Rukh " وبيد كل واحد منهم أداة من أدوات الجنة. فيرى في يد الواحد منهم صولجان الملك.وفي يد آخر إكليل جواهر،ويقبض ثالث على عصابة من لالئ رطبة يعصب بها جبين الصالح إذا لفظ نفسه ويمسك الرابع بيده ثوبا موشى يتألق ضياء ويرى بيد خامس جام مملوء كوثرا وهو مكلل بالدر الرطب والزبرجد الفاخر؛ ويشاهد في كف سادس أثمار غضة طيبة إذا أكل منها الميت الصالح غدا خالدا ولاسيما إذا شرب عليها شيئاً من ذلك الكوثر شراب الآلهة، ولهذا لايهرم أهل الجنة وإذا شعروا بضعف لتقدمهم في السن أكلوا من تلك الطيبات وكرعوا عليها كرعات من ذيالك السلسبيل.

        وبإزاء جماعة الفري طبقة من الأرواح الخبيثة النجسة يعرف الواحد منهم باسم "ديو"، وكل منهم يرغب المحتضر في أمر من أمور هذه الدنيا، فواحد يرغبه في حسان النساء، وآخر في جميع حطام الدنيا وثالث يطري له المجد والكرامة والعظمة والتسلط على الأنداد. ورابع يزين له الأخذ بالثار وسحق الأعداء وقتل المناؤئين له. وخامس يبعثه على التلذذ بأطايب المأكل والمشارب والمفارش إلى غير ذلك. فإذا مال المحتضر إلى الفريان (جمع فري) انتقلت روحه الحيوانية إلى ذاك الخيال المستعد لان تحل فيه الروح الحيوانية. وأما النفس أو الروح العقلية أو الروح النورانية فأنها تنتقل مزينة بتلك الملابس والحلى صاعدة إلى عليين يصحبها أولئك الفررخان لتعود إلى ماكانت عليه سابقاً في جنان من الخلد أو جنان النور. وأما الجسد فيبقى ملقى على الأرض فتجتذب منه الشمس والقمر وسائر الأجرام النيرة العناصر التي فيه أي الماء والنار والنسيم فترتفع كلها إلى الرب الأعلى الذي هو الشمس. ويقذف بما بقي من جسده -الذي هو ظلمة كله- إلى جهنم.

        وإما إذا مال المحتضر إلى الديوان (جمع ديو) فللحال تفوح منه رائحة كريهة وتهرب الفررخان أو الفربان فيأخذه الديوان ويعذبونه ويرونه الأهوال بألوانها. فيحضر ثانية أولئك الفريان ومعهم أدوات الساجنة التي كانت معهم في حضورهم الأول، فيتوهم المحتضر أنهم قد جاؤوا لنصرته وتحريره من أيدي الديوان، وإنما جاؤوه لتعزيزه وتوبيخه وتذكيره مساوئه ومآثمه وإلزامه الحجة في ترك أعانته الأولياء والصلحاء، ثم لاتزال روحه تتردد إليه في الدنيا متعذبة إلى وقت تقمصه في المثال الذي كان يرى بقرب الفريان، ثم يكفى في النار الجاحمة.

       أما من كانت سيرته وسطاً بين سيرة الصالح والطالح فان روحه المادية تنتقل إلى المثال الجامد المعد لقبولها مع روحه العقلية فتكونان واحدة فيعود الإنسان إلى الحياة إلى أن يكفر عن سيئاته فيكون صالحاً أو لا يكفر عنها فيعود شريراً وتكون عاقبته عاقبة من ذكرنا من أمر الصالحين أو الأشرار.

        ولهذا يذبحون الذبائح لمن يعتقدون فيه السيرة الوسط ومن بعد أن يقطعوها يوزعونها على الفقراء البؤس. وربما يذهبون إلى رجال الدين النصارى ليصلوا على نفوس موتاهم. وكذلك ينفحون رئيسهم الأعلى دراهم أو يهدون إليه هدايا لمثل هذه الغاية. ورئيسهم هذا يسمى (هازربيد) Hazoerbed ويعتقد أن أصل الكلمة (هيربد) Hirbud المشتقة من اللغة الزندية (آيتثرا بيتي) Aethra paiti أي كاهن النار. وإذا دفنوا موتاهم وضعوا على قبره حجراً محفوراً مستديراً يمثل الشمس في نظرهم، وهكذا تتميز قبور الشمسيين عن غير الشمسيين.

        في أوائل القرن السابع عشر كان عدد الشمسيون نحو عشرة الآف، ثم أصبح عددهم مايقارب الألف بين رجال ونساء وأطفال. وجميعهم كانوا يسكنون قره جة طاغ ونواحي ماردين. وفي هذه المدينة نفسها محلة تعرف بـــ "محلة الشمسية" ومذهبهم اليعقوبي في الظاهر لكنهم كانوا يبطنون مذهبهم الشمسي. أما اليوم فلا نعلم هل اندثرت الديانة الشمسية أم انضوت تحت الديانة النصرانية وهو أمرُ جدير بالتتبع والبحث.

 

 

أعلى الصفحة

  العودة للصفحة السابقة