اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسيـة

                                                                  خواطر وكتابات عامة                                                  

 

 المنبر العراقي، ضوء أخضر لنظام أفضل

لويس اقليمس

 

   2شباط  2019

 

   تواردت ردود أفعال متباينة بعد إعلان أحد أعمدة السياسة المخضرمين في العراق، اياد علاوي، عن تأسيسه لتشكيل سياسيّ جديد تحت مسمّى "المنبر العراقي".

    هناك مَن يقرأ أسطرًا عديدة في هذه الخطوة لاسيّما وأنّ السيد علاّوي سياسي له باعٌ طويل في سياق الأحداث السابقة للغزو الأمريكي-الغربي للبلاد، والراهنة المتقاطعة والمخيبة للآمال. فهو مازال يحتفظ بشيء من اللياقة السياسة في التوجيه والتحدّث والتصريح والتوضيح والتحذير والتهديد من مستقبل قاتم في مناسبات كثيرة ويدعو مثل آخرين ممّن تبقت لديهم ذرّات قليلة من الانتماء الوطني من أجل استعادة العراق دورَه في الحاضنة العربية والإقليمية والدولية على السواء. قد لا يظهر للبيان ما تعنيه مثل هذه الخطوة الجديدة أو المبادرة بالأحرى من حيث أهميتها وفاعليتها في هذا الوقت بالذات، إلاّ أنّها بالتأكيد لم تأْتِ مِن فراغ، كما أنه بحسب اعتقادي لا يقصد إلقاءَها على عواهنها من دون تمحيص وتفكير وحيازة مسبقة لما تحتاجه من ضوء أخضر من جهة أو جهات متنفذة أو راعية للعملية السياسية أو حتى وطنية فاعلة أو غائبة عن المشهد السياسي المضطرب منذ أكثر من ستة عشر عامًا.

    سوف لن أسمح لنفسي بالخوض في مفردات الأسس أو المبادئ أو الخطوط العريضة التفصيلية لهذا التشكيل. ولكنّي مقتنع كل القناعة بأنّ من شأن هذه الخطوة أن تكون خيطًا آخر من خيوط الرغبة بمغادرة المنهج السيّء والسياق الفاشل للنظام السياسي السائد الذي تشكّل بعد سقوط رجل الدولة القوي الذي حكم بالحديد والنار وأذاق الجميع المرّ والعلقم، بالطريقة الدرامية التي حصلت. ولولا قناعة مؤسس هذا التشكيل الجديد ومَن معه من مريدي السلطة ومن الوطنيين وكذا من الناقمين على النظام المحاصصي القائم حاليًا، لما جاء به لطرحه في خضمّ الأحداث المتشابكة والمؤتمرات المنعقدة لناشطين وساسة ومسؤولين سابقين في الدولة ووسط زحمة وسائل التواصل الاجتماعي المتفاعلة مع رغبات وتطلعات الشارع بتغيير مرتقب في النظام السياسيّ القائم. فهو من حيث الحدث والواقع، إلى جانب انتقاداته اللاّذعة أحيانًا للعملية السياسية وبما أوتي به من قوّة وفاعلية وتأثير، مازال شريكًا أساسيًا في العملية السياسية على مرّ الحكومات المتعاقبة. كما أنه تقلّد مراكز متقدمة في شبه الدولة العراقية منذ السقوط في 2003، ما يمكن أن يمنحه الريادة في توجيه المسار المرتقب نحو شيء من برّ الأمان، هذا إنْ كُتب له النجاح.

   إذن، ما العبرة من التشكيل السياسي الجديد الذي يقطع طريق الانتماء إليه أمام كلّ متحزّب أو متذرّع بحزب أو كتلة حين تأكيده على المشاركة الشخصية الوجدانية والوطنية بعيدًا عن سطوة الأحزاب لاسيّما الدينية منها العاملة على الساحة والشريكة بالغرف من المكاسب واقتناص المناصب أو مِن تلك المتشدقة بأهداب الطائفية والمذهبية التي لم تغادرها في حقيقة الأمر بالرغم من التصريح بهذه في وسائل الإعلام وفي اللقاءات والحوارات والمؤتمرات؟ سؤال محيّر وبسيط في آنٍ معًا. إنّ الشعور بالحاجة لتفعيل النظام السياسي وتحريك المياه بهدف خبط هذه الأخيرة لترقّب شيء قادم جديد، ربما هو المقصود من هذه الخطوة الغريبة بعض الشيء، والتي قد تمهّد لمعادلة جديدة في مراكز القوى التي استقطبتها أجندات الإسلام السياسي طيلة السنوات المنصرمة، باستثناء أحزاب قليلة ادّعت الوطنية، ومنها حزب علاّوي نفسه، وأخرى قومية أو غيرها ممّن تعود لمكوّنات لا حول لها ولا قوّة.

   لا غرابة، أنّ فئة من السياسيين المعتدلين على قلّتهم، ومَن يقتفي أثرهم من الناشطين والباحثين عن بهرجة السلطة والجاه والمال ومعهم مثقفون حائرون بأمر الدنيا وغرائب الأعمال والسلوكيات التي لا تمتّ للسياسة الصادقة بصلة، متفقون في الرؤية والتحليل والإرادة على وجود ثغرات في النظام السياسيّ القائم الذي يدير البلاد والعباد بأسلوب التوافق الخائب والنهج الطائفي الفاشل، تمامًا كما يضمرون خيبة أمل ويتخوفون من القادم الأسود. فالبيئة السياسية ليس في العراق وحده فحسب، بل في المنطقة كلها تطفو اليوم على صفيح ساخن بعد أن أصبحت حاضنة جيدة للانقسام السياسيّ وتقاطع المصالح ومرتعًا لمشاريع الطائفية والمذهبية الدينية ومنهج التهميش والإقصاء الذي يديرُه مثلّث السلطة منذ 2003. لذا ليس مستغربًا أن نسمع صوت علاّوي صادحًا ومغرّدًا مع أصوات الشارع ومترافقًا مع نغمات المتظاهرين وصيحات المطالبين بالإصلاح والتغيير في ساحات الجمعة في بغداد والمحافظات المنتفضة منذ سنين ولا مِن سامعٍ صادق ولا مِن مجيب حقيقي. وإذا كان السيد علاّوي يدعو لنقاهة النظام السياسيّ القائم ويحذّر من داعش جديد مرتقب ويحرّض للوقوف بقوّة بوجه المشاريع الطائفية التي حوّلت البلاد وأهلَها إلى تابع خانع لا يتحرّك إلاّ باستشارة الأسياد وبإذنٍ من جهات متنفذة فيها، فذلك لشعوره ربّما بقتامة المرحلة المقبلة على البلد وأهلِه وبغية استباق الأحداث والاستعداد لها مخافة أن "يقع الفأس على الرأس" كما يُقال.

   لقد تأكد من خبرات متراكمة لسنين متتالية، بأنّ المتنفذين في أعلى هرم الدولة، ونقصدُ بذلك أحزاب وكتل المثلّث الحاكم المتمثل بشيعة العراق وسنّته وكرده المتقاسمين السلطة والمال والجاه والمتمتعين الأكثر بكعكته التي درّت ذهبًا وعقارات ودولارات لم يكن أغلبُهم يحلمون بفتاتها يومًا، يضعون اليوم مصالحهم الحزبية والقومية والشخصية قبل مصلحة البلاد. فحينما قربت الانتخابات تزايدت التصريحات وكثرت اللقاءات وتشعبت الدعايات واحتلّت الكتابات صفحات الجرائد ووسائل التواصل الاجتماعي والتغريدات فيها. وكلّ هذه كانت تنتقد النظام السياسيّ الذي فرضه الغازي الأمريكي وفق مقاسات الشركاء اللاّهثين وراء السلطة والمال بأيّ ثمن. بل والأكثر من هذا وذاك، أنّ هذه الأحزاب التي انتهجت بمعظمها الإسلام السياسيّ منهجًا للوصول إلى غاياتها وأطماعها وتراقصت مع الأحداث على أنغام الوتر القوميّ والعائلي والعشائري في المناسبات والأدبيات، قد وأدت اية فرصة لانتصاح الواعز الوطنيّ وبروزه طالما هي باقية في السلطة. وهكذا بدا الشعب والبلد معًا رهائن بأيدي ساسة الصدفة ولاسيّما مزدوجي الجنسية والأغراب والدخلاء عليه وعلى العملية السياسية ككلّ. فقد غدا الجميع ومعه مؤسسات الدولة بلا استثناء، شئنا أم أبينا، توابع لهذه الأحزاب وأجنداتها ومخططاتها من دون أن يُترك بصيص أمل للتخلّص من الهوّة السحيقة التي وقع فيها العراق وأهلُه. حتى الإعلام الرسميّ والخاص ووسائلُهما المتعددة أصبحت تخضع لأجندات بعض الأحزاب المتنفذة وتُسيَّر وفق استثماراتها السياسية والاقتصادية والمالية عبر مكاتب اقتصادية تتحرّك كالبيادق وكخلايا نمل تحفر ما شاءت وتأكل ما تشاء ممّا فوق وتحت الأرض.

   يقينًا، إن المنبر العراقي، لو كُتب له النجاح وتحلّق حوله الشرفاء من المواطنين الغيارى ومن الوطنيين الأصحاء في الفكر والتوجّه والمبادئ المستندة إلى الديمقراطية والحرية والإنسانية، سيُكتب له حظٌّ وافر للبدء بتصحيح النظام السياسيّ القائم على التوافق والمحاصصة وتقاسم السلطة بهذه الطريقة المقيتة أولاً، ومن ثمّ البحث عن مخارج عملية وحقيقية للتخلّص من آفة الفساد المستشرية كالأميبا ثانيًا، وفرز الدخلاء والأغراب على مسار العملية السياسية والغازين مؤسسات الدولة والمقتحمين مفاصل السلطة من صغيرها إلى كبيرها ثالثًا. ولو تحققت هذه أو أجزاءٌ كثيرة منها، حينئذٍ سنجد البلد في طريقه إلى التعافي وقد تنفسَ شعبُه الصعداء بعد محنته الطويلة بسبب اختراق منظومته الوطنية، وأنّ مشاكله في طريقها إلى الحلّ بعودة حثيثة إلى دولة المؤسسات التي تضمن العدالة والمساواة وحق الجميع في الثروة والسلطة وفي حرية التعبير والفكر والدّين من دون تمييز ولا تأثير ولا تهديد ولا محاباة ولا استفزاز في الشارع والساحات العامة ولا مبالغة في الشعائر الخاصة أو المغالاة في هذه جميعًا. فالغيرة العراقية مشهودٌ لها حين تُنتخى وتُرفع الراية شرفًا وعزّا وبهاءً وفخرًا.

-------------------------------------

---------------------------

 

أعلى الصفحة

العودة للصفحة السابقة